الجمعة، 20 فبراير 2015

رصاصة وكأس من الشاي

مالذي كان يحتمي به؟ في تلك المغارة أشغل نار خافتة، فالدورية خلف الدورية تذهب وتجيء من أمام المغارة الصغيرة، وهو يحبس أنفاسه النفس تلو النفس، والبندقية تدغدغ في نفسه لذة قنص الجنود لعل رصاصة من هذه الرصاصات تشغل في جسده دفئا يفتقده منذ أعوام، كأس من الشاي هو ما يأمل أن يحتسيه الآن، لكنهم يصرون على تمشيط المنطق، ينظر إلى رفيقه أي أمنية ستغلب الأخرى، أمنية احتساء كأس من الشاي يعيده سنوات خلت إلى حقل والديه الذي كان يقصده في مثل هذا الجو البارد ليغطي المحاصيل كي لا تتلف من شدة السيول، أم رغبة قتل أكبر عدد من الجنود ستتغلب على آخر فرض دنيوي يسيطر على حواسه في تلك اللحظة، لا مجال للاتيانب بأي نفس أو حركة وإلا ستكون النهاية غير المجيدة بانتظارهما على سفح ذلك الجبل، ولربما تنهش أجسادهما المضرجة بالدماء الذئاب الجائعة.

لحظة هاهم ابتعدوا قليلاً، يتفقد حمزة المغارة جيداً لا حطب في الداخل،  يتحرك حسن حركة خفيفة نحو باب المغارة وينظر إلى الخارج يلقي نظرة على المكان من حوله، لا جنود انسحبوا، إذاً لنعد كأس من الشاي لربما كانت هذه المرة الأخيرة التي نشرب فيها الشاي، هكذا ظن الرفيقان، انطلق حسن إلى الخارج ليجمع القليل من الحطب بينما بقي حمزة ليعد موقد النار في انتظار رفيقه، تأخر حسن قال حمزة، ونظر حمزة إلى مكان حسن فلم يجد رصاصات رفقيه الأخيرة ولم يرى البندقية، ضرب حمزة يده بجدران المغارة، وصاح لا تذهب وحدك فأنا قادم.

خرج حمزة من باب المغارة فتفاجأ أن حسن قد أحضر الحطب ومضى، ترك حمزة المغارة وما بقي من خبز وسكر ومواد تموينية وسار في دربه، والغضب يشعل رأسه ويحرق كل أمنياته الأرضية، ترك عنه التفكير بحبيبته وأمه وأخوته وحقلهم والحصان الذي دفع نصف ثمنه، ترك عنه كل شيء، وظل يتمتم في داخله: "إن شاء الله حسن ما يسبقني" وإذا بصوت يناده حمزة أنا هنا ارتسمت على وجهه بهجة الشخص التائه الذي وجد ضالته،"حسن ولك شو الي عملته رحت تموت لحالك"، فرد عليه حسن قائلا: قلت خلي آخر كاسة شاي تنفعك، ضحك الرفيقان ضحكة مجلجلة عاد صداها من الجبل المقابل.

وما هي إلا دقائق قليلة حتى عاد الجنود، بادر حسن لقنص الجندي الأول، فرد عليه حمزة بقنص جنديين، قنصا الرابع والخامس والسادس، وما هي إلا دقائق حتى اتنشر الجنود في كل المنطقة وبدأ صوت الرصاص يخرق صدى الرعد ويعلو عليه، وحمزة يحاول أن يتقدم على حسن، ويحميه بجسده "ولك أنا أذا متت في عند أمي ثلاثة غيري خليني أموت قبلك" فيرد حسن عليه: ومين كلك أنه إنت لازم تموت قبلي مش دايما كنا نضرب اولاد الحارة وأنت تهرب وانا أظل لحالي"، فيقول حمزة: هاظ الحكي زمان أيام الولدنة اليوم أنا قبلك أو أنا وإنت مع بعض أو إنت بتلحقني"، وينتشر الرصاص كالمطر من حول الرفيقان تنفذ ذخيرة حسن فيرجوه حمزة أن ينسحب فلا يكترث حسن لطلب حمزة، ثم يترك رفيقه يقنص ما تيسر من الجنود، بينما هو يحمل في يده الخنجر ويطعن أحد الجنود، حتى يباغته جندي يرتجف ويطلق عليه رصاصة تصيب قلبه فيستريح من أحلامه الأرضية، وبينما حمزة يفرغ آخر الرصاصات في أجساد الجنود يتمكن جندي آخر من قتله أيضا، وتبقى الأمنيات الأرضية حبيسة المغارة، وحكايات أهل القرية عن المطاردات المتكررة لحسن وحمزة؛ الرفيقان اللذان اعتادا على افتعال المشاكل معاً وعلى التفنن في قنص الجنود معاً حتى النهاية.


















سمرعزريل 
19/2/2015 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق