الجمعة، 18 يناير 2019

نص مصاب بالانفصام


نص مصاب بالانفصام


على الأرض يجلس شباك الغرفة مغلق، رائحة الطعام، صوت الثلاجة، قناة الأخبار ذاتها تعيد الشريط كل ساعة، مقتل الصحفي، سقوط القيادة في الوحل، صوت الآذان ومازال صديقنا يحرك قدمه يمينا ويسار، هو بحاجة الى هواء بارد رطب محملا بالمطر.

الشارع الضيق كضيق صدر صديقنا، ما هذا الملل، أصوات الروح ومحادثات العقل ومازال القلق والألم يعتصر  جسده، هي اشبه بغرفة العلاج الاشعاعي، حيث يظن المريض أن المرض سيقضي عليه، لو ان الوقت يترجل من مكانه ويتيح له وقتا لذاته لقلبه لعقله للهواء النقي، بلا تفاصيل مزعجة بلا صخب العالم هذا.

يسرع الى شباك الغرفة الصغير، يفتحه يتنفس هواء جديد يطيل النظر لا يرى سوى الجدران، يترضع يريد ان يرى شجرة واحد حرة لا تحبسها الجدران، لا يرى يغلق باب الشباك ويهبط إلى الأسفل، محني الهامة وهو يجر جسده وقد حنى كتفيه، يعود الى مربعه الضيق يتنفس ذات الهواء يبتسم معلنا هزيمته.


كتب النص في شهر تشرين الثاني من عام 2018 وأقوم الآن بنشره

السبت، 24 أكتوبر 2015

مهر عليا

استيقظ في الصباح الباكر على قرقعة سماعة المسجد القريب من منزله، نهض من فراشه وتوضأ بماء بارد ارتجف قليلا، سمع المؤذن يقيم الصلاة فهرع إلى ركنه الخاص وصلى،  أعد ثيابه وارتداها، تفقد المكان شبراً شبراً، توجه إلى الباب فتحه وخرج مسرعاً قبل أن يرتجف قلبه عطفاً على الصغار الذين تركهم وراءه، كان يسرع في مشيته وصوت الرصاصات التي يحملها يدابع مسامعه، فتتحول الأمنيات كلها إلى لا شيء  كلما تذكر أن العم أبو فيصل قال له: روح يا ابني ربي ما يردك خايب.

كان صوت قدمه ونفسه والريح والرصاصات يسكت في رأسه صوت صالح وريحانة وأحمد وياسمين، ويقول في نفسه: هاظ الواجب يابا عشان تعيشوا بكرامة، لم يعد سعيد بعد دقائق ينقل خاطره بين أولاده وتلك المهمة التي قد تكون الأخيرة، فهو يدرك إن عاد هذه المرة عليه أن يأخذ أولاده في رحلة إلى المدينة الكبيرة، ويشتري لهم ما طلبوه، وبذلك لن يتمكن من أن يخبأ ما اعتاد أن يخبئه من أجل حلم طفولته،  سيعود ليفلح الحقل وعليه أن يتشاجر مع صاحب المشروع الذي يريد أن يشتري أرضه ليكمل بناء مشروعه، عليه إذاً أن يتمكن اليوم من تحقيق ما يريده لعله يحقق تلك السعادة، يريد سعادة تامة حقيقة.

وبعد أن استيقظ من هذه الدوامة وجد نفسه على سفح الجبل، اتكأ على جذع شجرة زيتون رومانية كبيرة،  أخرج الرصاصات من جيبه وأعد مخزن البارودة التي اشتراها من مهر زوجته، فهي ثلاثة مخازن لا غيرها استطاع أن يحصل عليها سعيد بعد عناء لبارودته.

سعيد الذي أحب عليا في صغره وكتب لها الشعر واعتاد أن يلحقها من المدرسة إلى المنزل ذلك الشاب الطائش الأزعر، الذي اعتكف عن الطعام والشراب لأجلها حتى تزوجها، اليوم هو أب لأربعة أطفال وزوج لحبيبته عليا، هو الآن يترك عليا هي وأطفالها ويحلم بأن يحلق عالياً في السماء، سعيد الآن يحاول أن يجيب لصالح على سؤال يابا شو يعني وطن؟ يحاول أن يقدم لريحانة ما يكفيها من مواضيع تعبير عن فلسطين كي تسمح لها معلمة اللغة العربية بالمشاركة في المسابقة، فهو لم يستطع أن يفعل شيئاً حيال جشع المعلمة، عندما قالت لريحانة: شو فهمك انتي في التعبير بحكيلك اكتبي عن فلسطين، مش عن القمح والشعير ولا عن البدودة ولا عن البيدر، بدك أحكيلهم تشميل وتغمير في الوزارة! روحي يا بنتي الله يهديكي ويهدي أهلك، واحكي لابوكي ما يقترح عليكي مواضيع مرة ثانية، في حينها ذهب سعيد محتجا على أسلوب المعلمة فقالت له روح أول اشي غير أوعيك وتعال احكي مع ولاد الاصول، ويتذكر وقتها قال: ولاد الأصول، ولا ولاد خدم الإدارة المدينة بتفرق، إذا بدي أحكي مع ولاد الأصول بيطلعوش عليي هاي النظرة واوعيي واوعيهم من نفس الخياط واكلي واكلهم من نفس الأرض ودمي ودمهم ما نجسه نجس ابن نجس مثل أبوكي، كانت هذه المشادة سبباً في منع سعيد من دخول المدرسة مرة أخرى كما أنها كانت سبباً في منعه من الخروج من بيته لثلاثه أيام، لكنه رفض الانصياع لأوامر أجهزة الأمن في قريته وخرج يزرع حقله، وسار وهو يقول " فش ابن مرة بيقدر يمنعني ما أزرعش أرضي، واذا هاظ الزمن فيه بينحط واطي لولاد الادارة المدنية وروابط القرى فهاظ الزمن ع حالة مش عليي أنا زماني زمان ثاني".

وبعد ما تذكر كل هذا، جلس هادئ ينتظر موعد خروج الحافلة الطقس البارد والجو الضبابي أفضل أوقات العمل حيث يرغم البرد الكل على التفكير بأجسادهم، بدفئهم، بكسلهم، وبجشعهم الدائم للعيش والحياة للأنانية التي تخرج دفعة واحدة وتصبح كصراع البقاء مع الكل مع الشجر والبشر والحجر، جال بصره هنا وهناك وإذا بالحافلة تتقدم، هرول مسرعاً نحو الأسفل أصبحت المسافة مناسبة جداً أعد سلاحه ووضع يده على الزناد وهو يردد "يا رب أنصر عبدك"، لم يعد يسمع شيئاً بعد أول طلقة، توقف كل شيء لما يعد يدرك شيئا سوى أنه يضغط على الزناد ويرشق الحافلة بمخازن من رصاص حتى فرغت المخازن الثلاثة، وعلا دخان كثيف من الحافلة التي أصبحت تترنح على الشارع حتى أنها اصطدمت بصخرة وسقطت في الجرف.

 لملم سعيد أغراضه وهم بالعودة أخذ يمشي بسرعة مرة وببطء مرة والسماء الغائمة تمطر والجو يزداد سوى،  ولكنه استطاع أن يرى أضواء خافته على مقرونة منه اتجه نحوها ببطء وعيناه تزداد بريقا ولمعانا، اقترب من الضوء الذي بدأ يكثر شيئا فشيئا وعلى بعد أمتار سمع صوت غريب يقول له سلم اسلاحك، لم يكترث سعيد للنداءات المتكررة حاول ان ينظر حوله لكنه محاصر تمسك بالبارودة حاول أن يخبئها في معطفه الرث لكن ما هي سوى لحظان حتى أحس بدفء ثقيل يخترق جسده رويداً رويدا، ورجليه تثقل وهو يسقط أرضا حتى سقط كله وباردوته في يده هاي مهر عليا يا كلاب بموت ولا بتوخذها.

استفاقت عليا على صوت طرقات قوية، أحست بالفزع هرعت تفتح الباب، وإذا بجيرانها متجمهرين أمام الباب، لم تسأل ماذا حدث فهي تنتظر هذه اللحظة منذ أول عملية قنص ذهب اليها سعيد، هي كانت تقول له كل ليلة "لو بس قبل ما تروح تصحيني أودعك" فيرد عليها "ما أنا برجع دايماً برجع لليش تودعيني – ولا ما بدك اياني ارجع – بعدين لو ارجعت محمول ما أنا راجع وإذا مش عشانك عشان لولاد،" لم تكن عليا تنام بل تبقى مستيقظة توهم سعيد انها تغط في سبات عميق لكنها كانت تبقى مستيقظة، وكانت تنظره حتى يعود فيهدأ قلبها، كانت تعلم أنها يوما ستنتظره وسيعود للمرة الأخيرة، وهذا ما حدث هذه المرة.

وما انتهى العزاء وانفض سكان القرية عن البيت، بعد أيام معدودة جلست عليا تفكر بالبارودة، كيف تسترجعها أحست بحرقة شديدة، بألم يخنقها، لم ترد لأبنائها ملاحظة أي شيء مسحت دموعها وجلست بينهم تروي لهم قصص، وما هي إلا أيام قليلة  كانت عليا منشغلة ببعض الأعمال المنزلية بعد أن عادت من الحقل وأطفالها حولها يدرسون ويلعبون، وإذا بها تتفاجأ بضيف غريب يتنحنح، نظرت اليه نظرة استعلاء وقال: خير شو الي جابك؟ قال لها بنبرة خبيثة جيت أزور ولاد الشهيد ومرته وأطل عليهم إذا عايزين اشي، ردت عليه قائلة من وينتا بنعوز أشكالك أصلا، قالها أرملة وفش الك ظهر والسانك طويل، عموماً مش مشكلة بس أنا جيت رايد الخير بيعيني أرضك، وخذي مصاري اشتري دار مثل العالم والناس، وأمني مستقبل أولاد لبكرا وبلا عناد، تقدمت نحوه وعندما اقتربت انزلت المكنسة على رأسه ضرب، ولك إفهم بدناش نبيع الأرض وأطفالها حاصروه يضربوه بكل قواهم، استطاع أن يفلت نفسه وخرج مسرعاً، استمرت المحاولات المختلفة لشراء الأرض بأي ثمن، لكنها لم تفلح.

ذات اليوم والأم والأطفال يحصدون البيدر، تفاجأت الأم بسيارات كثيرة تصطف في الطريق الزراعية القريبة من حقلهم، نزل منها رجل الأعمال ومعه مجموعة من الحراس ورجالات الأمن، اقترب منها وقال لها: هي أمر رسمي إني اشتريت الأرض وانك بعد ما تخلص حصيدة اليوم بدي اوخذها وما أشوف وجهك هين فاهمة، صاحت في وجهه لا والله بعيد عنك بفهمش وبديش ادشر الأرض وهالورقة بلها واشرب ميتها، ضحك ضحكة خبيثة وقال لها وهذول الي معي رح يفرجوكي شغلهم، تقدم نحوها ثلاثة رجال تفاجأت أن من بينهم صديق قديم لزوجها، قال أحدهم شو يا عليا بدكش تبيعي الأرض بالمنيح هي اشتراها بالزور اطلعي بالمنيح أحسن لنطلعك بالزور، نظرت اليهم وقال ولكم انتو عماد ووائل وشكري يا حيانة الخبز والملح مش طالعة وبلطوا البحر، واذا بشكري يضربها بكعب بارودته فتسقط أرض والاطفال واجمين لا يتحركون، نظرت الي البارودة وصاحت ولك بتضربني بالبارودة مهري، مش هاي البارودة الي قلتوا انهم أخذوها اليهود، تقدم نحوها وائل وقال لها إطلعي بالمنيح احسنلك ولا بدك نحرمكم هالولاد، اطلعي وخلصينا.

نظرت عليا إلى أطفالها وقالت يلا يما تعالوا، بس قبل ما أروح بديش مصاري ولا بدي دور ولا بدي إشي أعطوني هاي البارودة،  تعاركت مع وائل وهي تحاول سحبها، حاول أن يمنعها نظر اليه صاحب المشروع وقال له اعطيها اياها وبنشتريلك وحدة بدالها  المهم تحل عنا، ترك وائل البارودة بينما مضت عليا واطفالها بالبارودة وهي تردد قائلة " بارودته بايد الدلال اريتها لا عاش قلبي ليش ما شريتها بارودتها لقطت اصداع قرابها لقطت صدا واستوحشت" 

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

الوضع العام لكوكب زحل الشقيق

حدا يعرفلي الوضع العام؟

هدوء سياسي رسمي نسبي، وهنا نعني بالرسمية "الجماعة الي كاعدين بيشجبوا وبيستنكروا، وعلى رأسهم القائد العام لقوات رقصة البطريق، وكاندي كراش في البلاد المغتصبة على طول الحدود من النهر الى البحر فيما أسمته القوات الانتدابية الاستعمارية البريطانية فلسطين."

أما عن الوضع العام، فهو وضع خاص بذاته، عام بالعامة، خاصة  من لبس العمامة أو تصوف أو أراد أن يحل هالمهزلة على طريقته في بلاد الله الواسعة، ونعني هنا البلاد المشحرة الي بيحكولها فلسطين، وهنا تنقسم أطياف البلاد الى ثلاثة أطياف لا رابع لها: خون ومدافعين عنهم وهي الفئة الأولى الأكثر انتشارا بحسب آخر فتاوي الفئة الثانية وهم عبارة عن مجموعة مشايخ ومن لف لفيفهم من نشطاء التواصل الاجتماعي، وهذول في منهم ناس من مختلف الأديان والملل شعارهاتهم متنوعة، بيكرهو رموز الطوائف أو المعسكرات المعادية، مختلفين على أفكار مثل: فكرة حق الأرمن بالثأر، أو انهم يعتبروا الهولوكست جريمة أخلاقية، إلهم راي في قصة المثلية، مش شايلين حدا من أرضهم.

 أما الفئة الثالثة وهي فصيلة نادرة ستنقرض قريبا بفعل العولمة، والفئتين أعلاه، هذه الفئة منصاعة لتفاصيل دقيقة من أحلامنا العادية، هاي الفصيلة بتغرق يومياً وفي آخر الليل بتعرفش تنام بلا هم، هاي الفئة تحديداً مسكوت عنها لأنها في الظل، يتاجر في قضاياها يوميا، فيها نقاء المي، وشفافية الهوا لما كان نظيف، هاي الوحيدة الي بتسيح بموجة الحر بلا ما تلعن الجو الف مرة، هاي هي الي بتتحول بفضل الفئتين سابقتي الذكر الى لمواضيع شيقة على مواقع التواصل، وبتلاقينا آخر النهار بنختلف على حقها، إما إفراطاً في حب الفئة الأولى أو الثانية.

وبهذا يكون قد وضح لعموم من يقرأ هاي المدونة كيف جرى تقسيم الوطن في آخر 20 سنة، إمعانا بالوضع القائم بتخلص بنتيجة مفادها المثل القائل " دود الخل منه فيه،" فعليا الوضع القائم قائم من فترة طويلة من قبل اكتشاف الكمبيوتر، ومن قبل ما القوات العربية المقاتلة عام 1948 تنصدم بحقيقة إنه الرصاص خربان، الحقيقة المرة إنه هالطوشة هي، هي من زمااان، والأدوار فيها مستمرة، أما الفئة الثالثة عادة ما بيكونوا ساكتين وبيشتغلوا على الساكت، ودايما بيقرورا يقلبوا المعادلة، زي لما ساكتوا وقت ما قرر نابليون يحتل "فلسطين" وطردوه بدون دوشة لحتى اجا كتاب تاريخ لواحد فاضي وحكى عنهم، وبعدين ثورة ابراهيم بن محمد علي باشا الجزار، وتمرد أهالي الجبل، ولما قرورا أهل هالبلد يحموها من الانجليز واليهود في البراق و ثورة 1936، كان عندهم جلد، وصبر بينتقل من جيل لجيل، بالحكايات أو بالوراثة او بالتربية عشان يكملوا هالمشوار الي كان دايما بيصطدم بالعظماء من النخبويين الي دايما بيطلعوا على ظهور الناس الي بتسكت بس بتضحي.

اليوم صار في اشي غير ومختلف نوعاً ما، أحلام الناس بطلت بسيطة، أزعم واحد فينا بده حياة بلا رفاهية بيكون بده مكيف في داره بسبب موجة الحر، والعواصف الثلجية من أمثال هدى، أكثرنا كرها للامبريالية طول نهاره على الفيسبوك وتويتر وهون وهون، أكثرنا غضباً على الفساد والفقر والجوع والاستعباد والظلم والقهر، آخر نهاره مش نايم خايف بكره الصهاينة يجيوا يوخذوه من داره، لأ هو نايم وهو عارف إنه بكره مهمته يكون اكثر نشاطاً في هذا العالم الوهمي.

حتى هاي المدونة اذا لقيتها على مدونتي اعرف انه اليات السيطرة النخبوية الها دخل في نشر هذه المدونة، لأنه يمكن حبي لذاتي قهر أي اشي وبدي اسمع صوتي لهذا العالم الي كل اشي عنده يقاس بلغة "الواو،" هين المعركة بطلت معركة وجود مع مستَعمِر ومجنديه من المستعمَرين، لأ صار في أسئلة جوهرية بلا حل، وصارت المشكلة أعمق، وصار الانصياع لبكرا باليات العولمة بيخسرنا دقايق فيها امكانية لعمل جاد جداً بعيد عن العولمة، " بعرف انه أغلب الناس الي بتعرفني قبل كتابة هاي المدونة، كاعدة بتضحك عليي وبتتقهقه،" عادي آه أنا أضعف منكم بالآف السنوات الضوئية، ويمكن أجبن منكم، ويمكن أقل معرفة منكم في كثير شغلات، بس على الأقل بسمح لحالي أفكر بهم يوم عادي في يوم حار مثل هاليوم، إنه القهر بينولد معنا كلنا، بس الغلابا فش حدا بسيطر على وجعهم بيسمحوش لحدا يسيطر على خوفهم ولا حدا اصغر حلم،  انتو والسلطة نفسها الي بتنتقدوها من زمااااااااان جدا بتحاولوا بس لسا في ابو جلدة والعراميط، وفي، وفي، وفي.

معقول انعمى على قلبنا ولا احنا معميين أساساً، سلة أوجاع يومية، مع مخدر بسيط، وشوية وعودات على رشة خوف بس رشة، وانكسر ظهره هالإنسان العادي، ما إنت بشر وانا وهو بشر، مسموحلي أطلب منه يثأر بس مش مسمحوله يحلم؟ هين وقفت عاجزة قدام انتقادي الحاد لبعض الزملاء، معهم حق خلي الضفة تقوم وتصحى، ما احنا بدنا الكل يصحى، حتى العادي فينا لازم يمكن يصحى، في تجربة بتقول إنه الإنسان العادي لما كان يتمرد كان يتحاسب، ويتعاقب من المختار والمنافقين حواليه من الانجليز كمان، اليوم صار في طرف ثالث اسمه جنود العولمة، هذول عندهم إفراط في الجلد حتى يصبح جسد عامل الباطون أزرق كلون السماء، طيب بلكي هاد عامل الباطون صار ابنه مفكر يوماً ما وولادهم صاروا عمال باطون إعمالا بهاي الفرضية وعلى راي ستي لما كانت تقول "الدنيا دوارة، وإن دامتلك ما راحت لغيرك،" بقول: استنوا حدا يجلد ولادكم ابشع جلد.

هو في نهاية هاي التدوينة بحب احكي شغلة وحيدة، انتو الفئتين الأولى والثانية، التهو في بعض صوت المظلومين بيطلع لحاله بلا محفزات ومنشطات منكم، واحد بيحمل ملف على محكمة الجنايات الدولية والثانيين بيقترحوا هاشتاغ معين، وفعلياً فش إشي أقدس من الدم، الي بيصير حلال لمزاد رخيص بين هذول وهذول، نهايك عن الإفراط الشديد في عملية ايصال الكل للعداء، لا يا أخي بديش أكون جزء من عملكم المضني على محطات الكهربا، وأجهزة الحاسوب، الهواتف الذكية، والجنود الصامدين المرابطين لجلد كل واحد نهجه مش نهج أجناد السلطة الاحرار.

رغم اني من زمان ما كتبت عن البلد لأني بديش أوجعها أكثر، بس للأسف أنا كمان مصابة بعدوى هالعولمة فكتبت ما كتبت، يعني حتى الأمل فيي مفقود، وأعلم أشد العلم أنها ستتعرض للنقد اللاذع والشديد لأسباب لها تفسيراتها المنطقية عند سكان كوكب زحل وحدهم، والي بيقدر وبيكمل المدونة للآخر الله يعينه.


سمر عزريل

3/8/2015

الأحد، 24 مايو 2015

صورتين للقهر

ومضة أولى: رضا تلف حبل المشنقة حول رقبتها.

قبل أن ترشق دليلا بالمادة المشتعلة وتحرقها بعود الثقاب... لجأت لملاذها الاخير كي ترى العالم أمامها متبجحا بما يأخذ منها وما يعطيها بالمقابل "أنا تعبت من البهدلة ... أنا تعبت من البهدلة" ... أتعبتها الحياة فكان حبل المشنقة أرحم من الغد الذي يطلب منها ان تعيل اخوتها ... وان تمسح الارض من تحت قدمي دليلا وأن تأكل لجوار الكلب في مطبخ الأسياد ...
ماذا تحكي رضا لنا؟ وكم رضا تستنشق رائحة العطر الفاخر وهي تمسح البلاط تحت أقدام عاشقة مترفة لديها كل شيء؟ هل تدري تلك العاشقة المترفة ان العاشقة التي تمسح البلاط من تحت قدميها تعرف عن الحياة ما لا تعرفه؟

تبرير أول

لم بطلة هذه المدونة رضا وما الذي يدفعني للكتابة عنها، والشخصيات الاخرى أكثر قربا للحدث اليومي في فلسطين، لماذا التصقت أكثر بالشخصية القادمة من الصعيد والتي تمثل مصر بضبابيتها اكثر من غيرها، حال النساء يهربن وتهزمهن قصص حبهن التي عادة ما تدون نهاية بكلمة لا نهاية او نهاية تعيسة ...
رضا هي هنا وهناك وفي كل مكان ناهيك عن ان هذه الشخصية بسيطة شابة عادية غير متكلفة الا انها نقية تمثل فعل الانتقام بلا نرجسية الخير والشر ... قتلت رضا نعم ولكن كم مرة قتلت رضا؟ خسرت الرجل في اباها عندما مد يده وتركها لكي تعيل عياله وهي شابة لديها احلام ترنو اليها، وكسر الرجل في الشاب الذي أحببته فأصبحت بلا ملاذ أين تذهب وهي القوية لن تستلم "لوسخ الحياة" فاشعلت النار في جسد دليلا التي ما انفكت الا ان تمثل حالة أغلب النساء المتباهيات.

مشهد آخر أخير

وقفت رضا تردد "أشهد أن لا اله الا الله وان محمد رسول الله " وتتوب إلى الله، والدمع يقطر من عينيها كدم نازف من قلب معلق بين شطي النيل، لم تترك الحياة رضا لتعيش ما تريده فاختارت رضا ان تقلب المعادلة وليتعس الاغنياء ايضا، نعم انها الجريمة التي لا براءة منها والتي تقتضي بالموت شنقا، ولكن هل شنق الوقت وهو يقطع احلامها اربا، اربا وهل أكترث الكل لدمعها وهي توزع كؤوس الشراب يوم خطبة دليلا، هل انتاب دليلا أي حزن جاد على الخادمة التي تمسح البلاط عندما كانت تتصل بحبيبها لتخرج.

مسألة حسابية

إنها معادلة الأغنياء والفقراء، في كل وطن هناك رضا التي تكبر منتظرة ان تتخطى الربيع الأول والثاني، لكن لعل رضا لن تمسح البلاط في بيت أغنياء آخرين، لعلها ستحب وتتزوج ولا تعيل اخوتها، قبل أن تصبح قادرة على ذلك، لعلها لا تضحي بحلمها لتصبح قاتلة بسبب قانون الغنى والفقر، الحاجة والعوز، لرضا عالم يكبر في داخلها كما لدليلا، لماذا أرى دليلا ورضا في كل مكان، لأن دليلا ورضا في كل مكان، لأن رضا مجرمة بالفطرة ودليلا بريئة بنفس الفطرة وعلى الأولى أن تموت شنقاً وعلى الثانية أن تكون المجني عليها.
لا تحاسبوا آبائهن ولا أمهاتهن ولا تفتحوا صفحات ماضية في قلوبهن لتروا التعاسة أو كم مرة خذلت أحلامهن، لا تنبشوا في الماضي لكي تروا صورة لحقيقة غائبة عن الذهن، لا تمنحوا الوقت أي فرصة لحديث عابر مع روح فتاة تعد الطعام لفتاة في عمرها وتقول لها "يا ستي" فترد عليها بفظاظة "انتي مين" هذه ليست معادلة الهيه، ليست معادلة حق أو فطرة او طبيعة، انها معادلة الجشع الذي يجعل في قلب كل فتاة غصة أساسها ظلم حياة جعلها تتشبث بخلاص أساسه رجل.

ومضة ثانية: عن حبيشة والقانون الخاص.

بجسده العادي، وتفاصيل يومه البسيط يرقد حبيشه على الأرض بعد يوم عمل عادي ليأكل الطعام الصعيدي الذي أعدته والدته له، تفرض عليه اخلاقه التي لم يتعلمها في مدارس الاغنياء ولا حتى الفقراء أن يعيل أمه وأخته وأن يأخذ واجب العزاء في خالته الجارة التي انتحرت لضيق الوقت والحياة في ناظريها، حبيشة الذي لم يسكت صوت النجدة في قلبه أصبح مجرم لجريمة اقترفها ابن الوزير الجشع، وسكرتيره "كلب السيد" الذي يتقن فن الاحتيال "اليبرالي الجديد،" وعليه اقتضت المسرحية التي اعدها المخرج أن يكون القتل المشهد الأخير.
عندما تحول الحصار إلى حالة استثنائية فرضت على الشرطة، كيف بنى المجتمع مقاييس للظلم والخير بعيدة عن الطبيعة الخاصة للنظام، عندما أصبحت الغشاوة التي تطغى على العقول والقلوب مجرد كذبة اقنعتنا بها الأنظمة المنحازة للمال والفساد ورائحة التبغ المحترق، وصمة العار التي تتلاشى في مجتمع مقاوم بنموذج بسيط "العشوائيات لات خرج سوى القتلة المجرمين الفاسدين،" هاي العشوائيات تخرج مقهورين يتحول قهرهم الى معركة فناء هدفها ألا يعيش الظلم أكثر.
لم يدفن  رأسه في أكوام من حسابات الاغنياء بطريقة "أحنا مالنا، ما يولعوا " عندما سمع يسر وصديقتها عزيزة تستنجد من وراء الباب، بقوة خرافية كسر حبيشة الباب ليصبح بعدها المتهم الأول في القضية.

النظام الذي لا يعرف سوى الاحتيال

عندما اجتر حبيشة لمسرح الجريمة ليمثل جريمة لم يرتكبها، ووقفت أم يسر وأمه والكل صامتين، وعندما اشعلت أم حبيشة النار في الكشك، كانت هناك نار أكبر تعتزم أن تخرج من قلب حبيشة، لتشعل طرف النظام لتحول اللا قانون إلى قانون عظيم، يقف الشخص منا أمامه لبرهة ويتنمى "أخ بس لو يصير هيك" باختصار عندما تتحول الدراما الى أمنية نتوق اليها.

ولادة صعلوك آخر

حبيشة الولادة المختصرة لصعلوك، بعد أن قضى عمره في عمله البسيط يرى في المثل "امشي الحيط الحيط وقول يا الله الستيرة." مبدأ للحياة في شارع عبدته دماء وعرق المقهورين يوميا، وهو يمشون من فضاء عشوائي يتمرغون فيه بالوحل والطين والظلم والقهر والدونية، تمرغ ايضا بشجب الظلم، بولادة اللا من القهر، بثقافة "أنا الي حرجع الحق للصحابة،" حارة حبيشة هي الميدان إلى الحرية، إلى انقلاب الموازين عندها فقط يتهاوى النظام، يسقط حتى نهايته، عندها فقط لا يكون على مصر أن تنصاع لأحلام مدينة جديدة، أو أن تغرق في جدل طويل حول شرعية العسكر أو الأخوان.

فناء جسد حبيشة

فناء جسد حبيشة في مشهدية القتل تلك، كان نتيجة طبيعية لضعف النظام، لانكشافه أمام فقراء لا يفكرون كثيراً بهموم إضافية عندما تعلو لغة القهر على وجع الحياة، حينها يتعطل العمل بواقع أصوات المعدة الفارغة لتسلب لغة "مش حاسكت... مش حرضى... وحاخذ حقي بدراعي." حياة الاغنياء سلب، فينتزع حقه انتزاع من بين فكي النظام.
يدوي صمت رهيب على المكان في مشهدية الموت، لحظة يتجمد فيها كل شيء،  يصمت الكل، هاقد مات حبيشة، الإنسان الوحش في الحارة الدونية الملعونة، في المقابل سقط الوزير على جسد ابنه المدلل يبكي، هذا البكاء يعني انتصار حبيشة، وغلبة قانونه الخاص على قانون الدولة والاغنياء، تبعثر تبغ الاغنياء وكحولهم وموسيقاهم وترفهم في لحظة قلب فيها حبيشة المعادلة، وكان صوت الانفجارات في الحارة العشوائية، يعيد للأذهان أوامر حكام الانتداب بإطلاق النار على كل المزارعين في صعيد مصر لعصيانهم الأوامر، فيرد المزراعين بحرق مزارع الانتداب في الصعيد، فيطلق الحاكم النار وهو غاضب وترحب أجساد المزارعين بالنار لانها لا تحرقهم فقط بل تعيدهم للحياة بكرامة مرة أخرى.
وسيظل حبيشة ذلك الشخص الذي يرتاد الموالد ويقف في منتصف الحلقة ويقول "الله حي،" سيظل الصعلوك الذي يبحث عنه أهل الحارة، وإن وقفت وسألت عنه سيكون البطل، بطل منسي لن تشيد له الحكومة له نصبا بإسمه "محرر" فهو مجرد مجرم، تهمته الوحيدة أنه الانسان العادي الذي يلبي نداء الواجب تقربا لله كل مرة.

 جنائزية ثرية للفقراء

بين رضا وحبيشة فارق بسيط يفرضه واقع الاغنياء، الذين ما ينفكون ينتهكون انسانية الفقراء بدعوى الاجرام والشر، إن القتل يصبح مباح عندما يقتل الانسان في قلوب البشر بصفتهم مواطنين بلا درجة في أوطاننا المشتبه بها، نظرية الهموم الطاغية التي تحولنا من حالمين ثائرين ورافضين ومقهورين، الى قتلة في إطار قوانين وضعت ليحتال بها الاغنياء علينا.
إن رضا اختارت أن لا تجثوا على البلاط مرة أخرى، وشبح دليلا ظل يلاحقها، هي بحرق دليلا حرقت قهر سنين احتبس، ندمت لكن ماذا يعني ندمها في هذا العالم الكبير؟
أما حبيشة انقهر فالتصق بقهره، فعاد الى الحارة ليحارب القهر الكبير، حبيشة وجد قهره جزء من قهر أكبر، فحول الحارة الى ساحة معركة لا تنتهي، الصق تهمة التمرد بالحارة، وغدا بطلا في أذهان اقرانه.

لن يصرخ الأغنياء أكثر فلا صوت لهم، صرخة مقهور واحدة تطغى على أفراحهم وأحزانهم فتحيلها إلى رماد .


كتب نص رضا في 30/12 /2014 تم استكمال نص حبيشة في يوم   22/5 /2015 وهيك كملت المدونة.

سمر عزريل 

الجمعة، 20 فبراير 2015

رصاصة وكأس من الشاي

مالذي كان يحتمي به؟ في تلك المغارة أشغل نار خافتة، فالدورية خلف الدورية تذهب وتجيء من أمام المغارة الصغيرة، وهو يحبس أنفاسه النفس تلو النفس، والبندقية تدغدغ في نفسه لذة قنص الجنود لعل رصاصة من هذه الرصاصات تشغل في جسده دفئا يفتقده منذ أعوام، كأس من الشاي هو ما يأمل أن يحتسيه الآن، لكنهم يصرون على تمشيط المنطق، ينظر إلى رفيقه أي أمنية ستغلب الأخرى، أمنية احتساء كأس من الشاي يعيده سنوات خلت إلى حقل والديه الذي كان يقصده في مثل هذا الجو البارد ليغطي المحاصيل كي لا تتلف من شدة السيول، أم رغبة قتل أكبر عدد من الجنود ستتغلب على آخر فرض دنيوي يسيطر على حواسه في تلك اللحظة، لا مجال للاتيانب بأي نفس أو حركة وإلا ستكون النهاية غير المجيدة بانتظارهما على سفح ذلك الجبل، ولربما تنهش أجسادهما المضرجة بالدماء الذئاب الجائعة.

لحظة هاهم ابتعدوا قليلاً، يتفقد حمزة المغارة جيداً لا حطب في الداخل،  يتحرك حسن حركة خفيفة نحو باب المغارة وينظر إلى الخارج يلقي نظرة على المكان من حوله، لا جنود انسحبوا، إذاً لنعد كأس من الشاي لربما كانت هذه المرة الأخيرة التي نشرب فيها الشاي، هكذا ظن الرفيقان، انطلق حسن إلى الخارج ليجمع القليل من الحطب بينما بقي حمزة ليعد موقد النار في انتظار رفيقه، تأخر حسن قال حمزة، ونظر حمزة إلى مكان حسن فلم يجد رصاصات رفقيه الأخيرة ولم يرى البندقية، ضرب حمزة يده بجدران المغارة، وصاح لا تذهب وحدك فأنا قادم.

خرج حمزة من باب المغارة فتفاجأ أن حسن قد أحضر الحطب ومضى، ترك حمزة المغارة وما بقي من خبز وسكر ومواد تموينية وسار في دربه، والغضب يشعل رأسه ويحرق كل أمنياته الأرضية، ترك عنه التفكير بحبيبته وأمه وأخوته وحقلهم والحصان الذي دفع نصف ثمنه، ترك عنه كل شيء، وظل يتمتم في داخله: "إن شاء الله حسن ما يسبقني" وإذا بصوت يناده حمزة أنا هنا ارتسمت على وجهه بهجة الشخص التائه الذي وجد ضالته،"حسن ولك شو الي عملته رحت تموت لحالك"، فرد عليه حسن قائلا: قلت خلي آخر كاسة شاي تنفعك، ضحك الرفيقان ضحكة مجلجلة عاد صداها من الجبل المقابل.

وما هي إلا دقائق قليلة حتى عاد الجنود، بادر حسن لقنص الجندي الأول، فرد عليه حمزة بقنص جنديين، قنصا الرابع والخامس والسادس، وما هي إلا دقائق حتى اتنشر الجنود في كل المنطقة وبدأ صوت الرصاص يخرق صدى الرعد ويعلو عليه، وحمزة يحاول أن يتقدم على حسن، ويحميه بجسده "ولك أنا أذا متت في عند أمي ثلاثة غيري خليني أموت قبلك" فيرد حسن عليه: ومين كلك أنه إنت لازم تموت قبلي مش دايما كنا نضرب اولاد الحارة وأنت تهرب وانا أظل لحالي"، فيقول حمزة: هاظ الحكي زمان أيام الولدنة اليوم أنا قبلك أو أنا وإنت مع بعض أو إنت بتلحقني"، وينتشر الرصاص كالمطر من حول الرفيقان تنفذ ذخيرة حسن فيرجوه حمزة أن ينسحب فلا يكترث حسن لطلب حمزة، ثم يترك رفيقه يقنص ما تيسر من الجنود، بينما هو يحمل في يده الخنجر ويطعن أحد الجنود، حتى يباغته جندي يرتجف ويطلق عليه رصاصة تصيب قلبه فيستريح من أحلامه الأرضية، وبينما حمزة يفرغ آخر الرصاصات في أجساد الجنود يتمكن جندي آخر من قتله أيضا، وتبقى الأمنيات الأرضية حبيسة المغارة، وحكايات أهل القرية عن المطاردات المتكررة لحسن وحمزة؛ الرفيقان اللذان اعتادا على افتعال المشاكل معاً وعلى التفنن في قنص الجنود معاً حتى النهاية.


















سمرعزريل 
19/2/2015 


الخميس، 5 فبراير 2015

استشهاديو الجنوب: رصاص وديناميت وسيارات مشتعلة



"أضمك 
وجرحي بينزف
 قُبل برغم اللي خانوا
ورغم اللي هانوا
ورغم اللي كانوا
في غاية الخجل* "

وقفة...

لو لم يطلق رصاصاته على الصهاينة حينها لما استراح وهو يكتب وصيته، ولكن يال ثارات كليب التي استفاقت في طفل الشرقية فانتقم لمدرسة بحر البقر، إنه سليمان خاطر الذي اغلقت قضية موته بعد صدور قرار الطب الشرعي أنه لم يقتل بل انتحر، ديكتاتور أم الدنيا حينها تأسف على انتحار سليمان خاطر الذي أخذ غدرا في سجنه، "وكم من غراب زعق فوق الجبال، حتى أن الجبال ملت من زعيق غرباننا".

الشهداء يعبرون هذه الأرض...

يا حسين، نعود من الجنوب، فكان التقاء الدم على الحدود مع فلسطين يعدنا أن الألفية الثالثة، لن تكون سهلة على محتل غاصب تمرد وتمرد في حضرة الانعزالية والخيانة العربية، فما سليمان والمحيدلي وأحمد القصير، سوى حكايات رصاص وعبوات ناسفة وديناميت مشتعل، أشعل في الجسد، وأشعل في الروح ورع الشهادة، فذهبنا إلى فصول لا تحرق الأجساد فيها باسم الإسلام المحب الذي يتملق شرف الضيافة على عتبات البيت الأبيض، بل تنفى فيها الروح إكراماً للحسين واستعادة لثأر قديم، فيا كربلاء بلاد الشام يا فلسطين زغردي، مضى مغنية على طريق فلسطين، ومضى ولده جهاد على طريق القدس ... وهيهات هيهات تنتهي الحكايات.

كتب الدكتور أسعد أبو خليل معلقاً على حرق الطيار الأردني "بين "داعش" والنظام الأردني أقف مع...البطل أبو علي أياد،"تساءلت للحظة هل أيلول الأسود والأشرفية أصبحت ضرب من ضروب ذاكرة عجوز لا يمكن تذكرها؟. فنحن حرقنا أيضاً بدم بارد وبفتيل الأنظمة، لكن الثأر يولد في قلوب من لا يرضون الذلة "فهيهات منا الذلة."

وعلى عتبات فلسطين وأي فلسطين، في الصحراء المشتعلة في سيناء، وفي الشمال حيث كان وعد الجنوب صادق صدق المحبة التي ترقد في حدقات أصحاب اللكنة الجنوبية، زغرد الديناميت وانطلقت الحافلات، ويا بيروت ما قدمت في تلك الليالي إلا البداية الأولى لهيبة الضاحية اليوم، ولعز من أعز فلسطين فاشعل شبعا ثأراً للقنيطرة.

في حضرة الأجساد المشتعلة...

وهنا يحضر الفدائيون فيكب الدم تلك الملحمة لبداية العمليات الاستشهادية في لبنان لنصل إلى الكلمة الأخيرة عام 2006 وننتصر، نصراً  أعاد للعرب عز الوصايا بأن لا تصالح.

لن ينسى التاريخ أسم أحمد القصير ( فاتح عهد الاستشهادين)، ابن الثمانية عشر ربيعا، الذي  انطلق من بلدة قانون النهر قضاء صيدا واضعاً نصب عينيه هدف واحداً فناء الصهاينة من الجنوب، في ذلك النهار من عام 1982، فجر القصير مبنى الحاكم العسكري ، وبقي هذا الاستشهادي سر المقاومة الاسلامية والفاتح لعهدها في لبنان، حتى عامين ونصف تقريبا عندما تبنت المقاومة الاسلامية العملية، فأصبح القصير البادئ لحكاية مازلت مستمرة.

أتم اللبنانيون  بعد أحمد القصير عمليات قتل وتفجير وتدمير للشاحنات والحافلات في مواقع مختلفة شمالاً وجنوباً، كان أبرزها  في عام 1983، التدمير الذي طال موقع قوات المارينز الامريكية، والقوات الفرنسية في بيروت كهدية متواضعة لمساعي فليب حبيب والانعزاليين في تخريب ما بدأوه ولم ينتهي بعد في لبنان، أكملت المقاومة مسيرتها  في عام 1984 عندما فجر علي صفي الدين نفسه في قافلة اسرائيلية قرب دير قانون النهر، وما هي إلا ايام حتى يفجر بلال فحص نفسه في قافلة اسرائيلية أخرى، حتى تفصلها أشهر قليلة عن عملية تفجير مبنى السفارة الامريكية في بيروت، وبهذا لم تعد لبنان بلد آل الجميل الآمنة من ضربات المقاومة التي لا تريد سوى أن يكون النصر بحجم الدنيا، ليليق بشارع يمر ببيروت ليصل القدس، وجبل النار ملهمة البدايات.

واستمرت المقاومة اللبنانية من مختلف الأطياف الإسلامية والقومية واليسارية، تدك القوات الصهيونية بأقوى الضربات، حتى قدمت لبنان عام 1985 أول استشهادية لبنانة" سناء محيدلي" عروس الجنوب ابنه بلدة عنقون التي فجرت سيارة بيجو مفخخة عند حاجز باتر جزين، فقتلت عدد كبير من الصهاينة،  وبعد اربعة اشهر قامت  لولا عبود "ابنه الحزب الشيوعي اللبناني،" بعملية استشهادية ضد دورية صهيونية عند مدخل بلدة القرعون الجنوبي، عام 1985 شهد لوحده ما يقارب 12 عملية تركزت في منطقة الجنوب اللبناني وأسفرت عن قتل وحرج العشرات من جنود الاحتلال الصهيوني وجيش لبنان الجنوبي (ما يعرف بقوات انطوان لحد).

لا مكان للنهايات...

كانت هذه العمليات غيض من فيض ما كان يحدث في ثمانينيات القرن العشرين في الجنوب، فهل هناك من مازال يتساءل لماذا نفرح بالجنوب ونتباهى به؟ لماذا نحفظ اسماء قراه ومدنه؟ لماذا يهمنا ما يحدث فيه وكأنه حدث لفلسطين ومن فلسطين وعن فلسطين؟ ربما كان نداء الأخوة بين الجبال التي اتحدت بالنار، فاشعلت فتيل الثورة على امتداد قرون، وكأن عبيل وجرزيم حصلا على وعد من جبل عامل والناقورة أن الرصاص يتبعه رصاص، وأن الدم لا يقابله إلا دم، وأن الحرب مع الغاصب المحتل وإن كانت ضروس  لا مكان للصلح فيها، فهي اشياء لا تشترى كما قال أمل ولا يساوم عليها، فإن في الثأر طقس طواف من سيناء إلى الرملة وحتى غزة يمضي الى جنين ويسير حتى الجنوب.

فالجنوب ومنذ عام 1982 قد بدأ مسيرة، لم تتوقف حتى اليوم، بدايتها فلسطين ونهياتها فلسطين، استطاع أن يخطف قلوب الفلسطينيين فرحاً واحتراماً، وأن يغنوه فيقولو "نصرك هز الدني،" لا مكان للانعزاليين فيه، كما أنه لا يحمل تلك الأسطورة عن الطوائف المتناحرة، على الكل العودة لسنوات 1982، 1983، 1984، 1985وما بعدها،  ليروا أن ما تفعله المقاومة الأسلامية في لبنان منذ تلك الأعوام وحتى اليوم هو لفلسطين، عليهم أن يفهموا أن انصهار المقاومة بأطيافها تلك السنوات،  هو ما ألهم حزب الله أن تدك العدو دكاً وتنتصر عليه، لم تُسأل يوماً سناء محيدلي عن هويتها الحزبية أو الدينية ليعتد بها الأحرار شهيدة، لم يعني أحمد القصير شيئاً قدر ما عنته الكرامة والحرية فسار على خطى القسام متوشحا بشعار الحسين.

هناك وفقط في الجنوب روح للحسين، وقلب لجيفارا، وصوت للقومية العربية، تقف خلف جنود الله في معركتهم الطويلة، أو نحن كذالك الشاب الذي لحق ابيه، وإن وقف منا أحد أمام سامي شهاب وهو متبجحا ويطقطق بأنامله على ازرار حاسوبه معلنا أن الجنوب معقلا لشيعة ايرانيين ليسوا عربا هل سيجد كلاما يقوله؟، ماذا سيكون موقفنا ونحن نحتفل بصاروخ تطلقه المقاومة في غزة على حيفا ويافا ومغتصبات الصهاينة دفعت المقاومة في لبنان ثمنه دماء شهداء سقطوا على طريق فلسطين؟، أنحن قادرين على تحمل دموع امهات الجنوب اللواتي يحبسن الدمع لوقت الصلاة في المسجد الأقصى؟ إحبسوا دموعكم عن جهاد وعماد واذرفوها على فقيد الأردن وحده، وارثوه وقدموا العزاء لملك ابن ملك قتل اعز ثواركم حرقاً، وجر بلده إلى حرب بدايتها الويل ونهايتها الويل، اتركوهم ينتجوا لنا داعش لتحرق الطيار وراء الطيار ولنصيح هذا ليس الإسلام فمن ارتضى العيش لنفسه في ظل الملوك، ليس لفلسطين عنده مكان على الخريطة.

 وتذكر أن كلمات جهاد مغنية الاخيرة في ذكرى استشهاد والده " خط الموت على ولد آدم، مخط القلادة على جيد الفتاة، وخير لي مصرع انا ملاقيه الا من لحق بي استشهد ومن تخلف عن الركب لم يبلغ الفتح " هي درس آخر من دروس الجنوب الثائر .



*من قصيدة الشاعر محمود الطويل في رثاء سليمان خاطر ... التي غناها الشيخ امام.



 الشهيد أحمد القصير (1982)
 الشهيد علي صفي الدين (1984)
 الشهيد بلال فحص (1984)
 الشهيدة سناء محيدلي (1985)

الشهيدة لولا عبود (1985)



الشيخ إمام في رثاء سليمان خاطر 




 نصرك هز الدني 

سمر عزريل 
4/ 2/ 2015 .


الخميس، 6 نوفمبر 2014

هلوسات آخر الليل

مرات بتسرق من الزمن لحظة عشان تكتب عن الي جواك، شو نوع هالوجع؟، وجع بحجم النفاق من الي حواليك، وجع مثل الكذب اليومي، والضحكة اليومية، مثل الروتين، مثل البلد، وشوارع رام الله لما تكون ماشي، وبتفكر بأسئلة عن بكرا بلا جواب، صوتك لما يكون خافت ويعلا ويرجع خافت، وجعك الدائم الي ما بيهدا وروحك الغريبة او المتغربة؟

التفاصيل الي بتخنق والأيام الي بتركض، ومحيطك الي لسا هو الي بعده ما تغيربس يمكن صار غريب، اسئلة كلها بتتراكم، وبتصفي الضحكة تعودت عليها، يمكن تتحاكم لانك أنت ، مش مهم، المهم انه في غربة واغتراب، وفي روح وفي قصص مبتورة ، وقصص مكسورة، وقصص بلا نهاية، وما في اجابات لأنه الاجابات بحجم الكره، أو الحب، أو الشوق، وفي بعض الاحيان بحجم الامتعاض من البشر أو من الاشياء .

كطالبة دراسات دولية، وكمواطنة ممنوحة مواطنة منقوصة بفعل اتفاقيات اوسلو التي عفى عليها الدهر، المفروض أكون بكتب عن اشياء نظريا بتهم العالم أو النخبة أو في اقل تقدير اساتذتي الاعزاء، بس الحكي الي بينكتب هون عن حالة خاصة أو يمكن حالة عامة فيها، انا وكثير غيري عايشين في بلد هلامية الشكل والتناقضات بتضرب فيهم، وللأسف فش شط ولا في مرسى ولا قبطان.

مين ووين وليش وكيف؟ ما حدا بيعرف، طوفان بس ما في جلجامش ولا نوح عشان نوصل لبر الأمان، في طوفان بيجر الكل، بحر من الكذب، بتلاقي حالك آخر النهار بتقلب بصفحات عقلك على اشي حلو، ضحكة  أو كلمة أو حتى ان شاء الله موقف ما بتلاقي،  بتضحك أو بتضحك على حالك إنك سعيد وفرحان، بس بين كل هالصخب إنت بتسرح وبتروح، لمكان بينك وبين هالسور المبني والي وراه مجهول، قرار بيشبه قرار بيصبغ حياتك بلون قدرك إما تموت أو تعيش.


وشو تعريف العيشة  عنجد شو تعريف العيشة، العيشة توقف في النبي صالح تعبي بنزين من كازية الخواجا، ولا توقف في النبي صالح عشان نقطة التفتيش، ولا توقف في النبي صالح عشان المواجهات، العيشة انك تشوف المستوطنين حاملين سلاح أطول منهم والشوفير بيسرع كل ما قرب منهم عشان ما يقتلوك ويقتلوه تعيش الخوف حتى لو انت ما بدك تخاف مجبور قسرا تعيش الخوف.

طيب وبعدين شو تعريف هالبلد الي بتلاقيها عند خط روابي صارت خضرة بس مش خضرة مثل ما بنعرف، الي بتلاقيها عمرانة والناس مبسوطة، بس في بترجع تلاقيهم من جوا تايهيين، شو تعريفك وتعريفي وشو تعريف الناس اصحاب الكنادر الي بتلمع وشو تعريف البسطا والفقرا، والكادحين، والثوار في هالبلد لهالبلد؟عنجد شو تعريف البلد؟ سؤال محيرني، شو يعني هالبلد.

وبالمناسبة شو يعني بكــــــــــــــــرا إذا بكـــــــــــــــرا، مثل مبارح ومبارح مثل اليوم، واليوم مثل قبل 4 سنين شو الي بتغير،  كل الي بيتغير الأرض بتصغر، والكرفانات بتكثر، والمي الي بتشربها بتصير أوسخ أكثر، والفتورة الي بتدفعها بتصير أغلى، والناس الحرامية بتصير أغنى، وانت مكانك، لسا بتجادل الليبرالية أحسن ولا الواقعية ولا الاشتراكية ولا يمكن فكرة بالتكنولوجيا، أو  فكرة ببكرا.

بتقرر تكتب سطر زيادة، عن الحنين للمدن، ولأي مدينة أحن؟ لنابلس ولا رام الله ولا عكا ولا يافا ولا بغداد ولا يمكن دمشق مش ممكن تكون القاهرة، لأ بحن لاستقرار بس استقرار من نوع ثاني من نوع ما أحس بغربة بين كل الوجوه الي بعرفها، أحس فيها إني أنا، انه لسا الرصاص رصاص، والصهيوني محتل، والسماسر خاين، بشتاق لايام عشتها وأيام سمعت عنها.

بدي أرجع اشوف الطريق بلا كاميرات حفظتني من سلفيت لبيرزيت، بدي ارجع ارسم على شباك السيارة شكل شجر الزيتون محل حلاميش، والعن أرائيل أكثر، بدي أرجع لما امشي في رام الله ما اشوف اعلانات مشروع مئوية بلدية رام الله في كل مكان، بدي أرجع احس بالاشياء مثل قبل، بديش جدل الناشطين والنخبة والمثقفين يمحي إحساسي بس بشغلة طقطقتهم على كبسات هالكيبورد ... "الله ينعن ابوه هالكيبورد".

جيت أكتب عن حالي لقيت حالي وحال البلد واحد، لقيت المقاطعة بتخنقني، والشوارع بتراقبني، ولقيت حالي موجعة على هالبلد الي بلا تعريف، بلا وجه واضح وبلا معالم، طلعت مثل البلد بدي أعرفها لأعرف حالي، بدي الاقي مفهوم الها لأفهم حالي. وزي كأنه صار لازم نقول تسقط نشرات الاخبار، وتسقط وكالات الانباء، ومراكز مكافحة التمرد، وكل أنواع الدراسات، وموضة النخبوية والثقافة والمقاهي الثقافية ومتاحف الشعرا والامسيات الفكرية والكتب التي لا يقرأها سوى العظماء، ما بدي أقرأ هيجل ولا أفهم ادوارد سعيد ولا أسمع بشار زرقان، بس خلوا هالبلد بحالها، خلو البلد تفرح بالصاروخ والعملية الاستشهادية أكثر من الأعراس الجماعية برعاية قيادات الدولة الورقية "الدولة غير العضو،"ورجاء ما تبتذلو فرقة العاشقين أكثر. وما تعملوا طوشة على حدود الدولة ضمن اطار حل الدولتين، روحوا فتشوا عن الوطن بدل ما تسموا ولادكم وطن وتقولوا عنا وطن محفور بالقلب، والقلب ما فيه غير هم ومرار وغلب من الغلا والأسعار ونق النسوان عشان يحملن سمارت فون.


سمر عزريل 
٦ \١١ \ ٢٠١٤